فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويجوز أن تكون {على} بمعنى: لام التعليل.
والمعنى: ليذكروا اسم الله لأجل ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وقد فرع على هذا الانفرادُ بالإلهية بقوله: {فإلهكم إله واحد فله أسلموا} أي إذ كان قد جعل لكم منسكًا واحدًا فقد نبهكم بذلك أنه إله واحد، ولو كانت آلهة كثيرة لكانت شرائعها مختلفة.
وهذا التفريع الأول تمهيد للتفريع الذي عقبه وهو المقصود، فوقع في النظم تغيير بتقديم وتأخير.
وأصل النظم: فلله أسلموا، لأن إلهكم إله واحد.
وتقديم المجرور في {فله أسلموا} للحصر، أي أسلموا له لا لغيره.
والإسلام: الانقياد التام، وهو الإخلاص في الطاعة، أي لا تخلصوا إلا لله، أي فاتركوا جميع المناسك التي أُقيمت لغيرِ الله فلا تنسكوا إلاّ في المنسك الذي جعله لكم، تعريضًا بالرد على المشركين.
وقرأ الجمهور {مَنسَكًا} بفتح السين وقرأه حمزة، والكسائي، وخلف بكسر السين، وهو على القراءتين اسم مكان للنَّسْك، وهو الذبح.
إلا أنه على قراءة الجمهور جارٍ على القياس لأن قياسه الفتح في اسم المكان إذ هو من نسك ينسك بضمّ العين في المضارع.
وأما على قراءة الكسر فهو سماعي مثل مَسجد من سجد يسجد، قال أبو على الفارسي: ويشبه أن الكسائي سمعه من العرب.
{وَبَشِّرِ المخبتين الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ والمقيمى الصلاة وَمِمَا رزقناهم يُنفِقُونَ}.
اعتراض بين سوق المنن، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب هذه الصفات هم المسلمون.
والمُخْبِت: المتواضع الذي لا تكبُّر عنده.
وأصل المخبت مَن سلك الخَبْت.
وهو المكان المنخفض ضد المُصعد، ثم استعير للمتواضع كأنه سلك نفسه في الانخفاض، والمراد بهم هنا المؤمنون، لأنّ التواضع من شيمهم كما كان التكبّر من سمات المشركين قال تعالى: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} [غافر: 35].
والوَجل: الخوف الشديد.
وتقدّم في قوله تعالى: {قال إنا منكم وجلون} في [سورة الحجر: 52].
وقد أتبع صفة {المخبتين} بأربع صفات وهي: وجل القلوب عند ذكر الله، والصّبر على الأذى في سبيله، وإقامة الصلاة، والإنفاق.
وكلّ هذه الصفات الأربع مظاهر للتواضع فليس المقصود مَن جمع تلك الصفات لأن بعض المؤمنين لا يجد ما ينفق منه وإنما المقصود مَن لم يُخِل بواحدة منها عند إمكانها.
والمراد من الإنفاق الإنفاق على المحتاجين الضعفاء من المؤمنين لأنّ ذلك هو دأب المخبتين.
وأما الإنفاق على الضيف والأصحاب فذلك مما يفعله المتكبرون من العرب كما تقدّم عند قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180].
وهو نظير الإنفاق على الندماء في مجالس الشراب.
ونظير إتمام الإيسار في مواقع الميسر، كما قال النّابغة:
أني أتمم أيساري وأمنحهم ** مثنَى الأيادي وأكسوا الجفنة الأُدما

والمراد بالصبر: الصبر على ما يصيبهم من الأذى في سبيل الإسلام.
وأما الصبر في الحروب وعلى فقد الأحبّة فمما تتشرك فيه النفوس الجلْدة من المتكبرين والمخبتين.
وفي كثير من ذلك الصبر فضيلة إسلامية إذا كان تخلقًا بأدب الإسلام قال تعالى: {وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 155-156] الآية. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَبَشِّرِ المخبتين الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ}.
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر المخبتين: أي المتواضعين لله المطمئنين الذين من صفتهم: أنهم إذا سمعوا ذكر الله، وجلت قلوبهم: أي خافت من الله جل وعلا، وأن يبشر الصابرين على ما أصابهم من الأذى، ومتعلق التبشير محذوف لدلالة المقام عليه أي بشرهم بثواب الله وجنته. وقد بين في موضع أخر: أن الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم: هم المؤمنون حقًّا وكونهم هم المؤمنين حقًّا، يجعلهم جديرين بالبشارة المذكورة هنا. وذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] الآية. وأمره في موضع آخر أن يبشر الصابرين على ما أصابهم مع بيان بعض ما بشروا به، وذلك في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصابرين الذين إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قالواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ المهتدون} [البقرة: 155- 157].
واعلم: أن وجل القلوب عند ذكر الله أي خوفها من الله عند سماع ذكره لا ينافي ما ذكره جل وعلا، من أن المؤمنين تطمئن قلوبهم بذكر الله كما في قوله تعالى: {الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] ووجه الجمع بين الثناء عليهم بالوجل الذي هو الخوف عند ذكره جل وعلا، مع الثناء عليهم بالطمأنينة بذكره، والخوف والطمأنينة متنافيان هو ما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وهو أن الطمأنينة بذكر الله تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، وصدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فطمأنينتهم بذلك قوية لأنها لم تتطرقها الشكوك، ولا الشبه والوجل عند ذكر الله تعالى يكون بسبب خوف الزيغ عن الهدى، وعدم تقبل الأعمال، كما قال تعالى عن الراسخين في العلم {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وقال تعالى: {والذين يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] وقال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} [الزمر: 23] ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». اهـ.

.قال الشعراوي:

{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ}.
يُبيِّن لنا الحق سبحانه بعض صفات المختبين، فهم {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الحج:35] وَجِلت: يعني خافت، واضطربت، وارتعدت لذكر الله تعظيمًا له، ومهابة منه. وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28].
فمرة يقول: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الحج: 35] ومرة {تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28]، لماذا؟ لأن ذكر الله إنْ جاء بعد المخالفة لابد للنفس أنْ تخاف وتَوْجَل وتضطرب هيبةً لله عز وجل، أما إنْ جاء ذِكْر الله بعد المصيبة أو الشدة فإن النفس تطمئنُّ به، وتأنَسُ لما فيها من رصيد إيماني ترجع إليه عند الشدة وتركَنُ إليه عند الضيق والبلاء، فإنْ تعرَّضَت لمصيبة وعزَّتْ أسبابُ دَفْعها عليك تقول: أنا لي رب فتلجأ إليه، كما كان من موسى- عليه السلام- حين قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
{والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ } [الحج: 35] ومعنى أصاب: يعني جاء بأمر سيء في عُرْفك أنت، فتعده مصيبة؛ لأننا نُقدِّر المصيبة حَسْب سطحية العمل الإيذائي، إنما لو أخذتَ مع المصيبة في حسابك الأجر عليها لهانَتْ عليك وما أعتبرتَها كذلك؛ لذلك في الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: «المصاب من حرم الثواب». هذا هو المصاب حقًّا الذي لا تُجبَر مصيبته، أما أنْ تُصاب بشيء فتصبر عليه حتى تنالَ الأجر فليس في هذا مصيبة.
ثم يقول سبحانه: {والمقيمي الصلاة } [الحج: 35] لأن الصلاة هي الولاء الدائم للعبد المسلم، والفرض الذي لا يسقط عنه بحال من الأحوال، فالشهادتان يكفي أنْ تقولها في العمر مرة، والزكاة إنْ كان عندك نِصَاب فهي مرة واحدة في العام كله، والصيام كذلك، شهر في العام، والحج إنْ كنتَ مستطيعًا فهو مرة واحدة في العمر، وإنْ لم تكُنْ مستطيعًا فليس عليك حج.
إذن: الصلاة هي الولاء المستمر للحق سبحانه على مَدار اليوم كله، وربك هو الذي يدعوك إليها، ثم لك أنْ تُحدِّد أنت موعد ومكان هذا اللقاء في حَضْرته تعالى؛ لأنه سبحانه مستعد للقائك في أيِّ وقت.
وتصور أن رئيس الجمهورية أو الملك مثلًا يدعوك ويُحتِّم عليك أنْ يراك في اليوم خمس مرات لتكون في حضرته، والحق سبحانه حين يدعو عباده للقائه، لا يدعوهم مرة واحدة إنما خمس مرات في اليوم والليلة؛ لأنه سبحانه لا يتكلف في هذه العملية تكرار لقاءات، فهو سبحانه يَلْقَى الجميع في وقت واحد.
ولما سئل الإمام على- رضي الله عنه-: كيف يُحاسب اللهُ كلَّ هؤلاء الناس في وقت واحد؟ قال: كما أنه يرزقهم جميعًا في وقت واحد.
وقوله تعالى: {وَمِمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الحج: 35] لا ينفقون من جيوبهم، إنما من عطاء الله ورزقه.
ومن العجيب أن الله تعالى يعطيك ويهبُكَ ويُغدِق عليك تفضلًا منه سبحانه، فإذا أرادك تُعين محتاجًا قال لك: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا } [الحديد: 11]
وكأن الله تعالى يقول لنا: أنا لا أعود في هبتي ولا عطائي، فأقول: أعْطِ ما أخذتَه لفلان، بل إنْ أعطيتَ الفقير من مالك فهو أيضًا لك مُدَّخر لا يضيع، فرِزْقك الذي وهبك الله إياه مِلْكك، ولا نغبنك في شيء منه أبدًا، فربّك يحترم ملكيتك ويحترم جزاء عملك وجدِّك واجتهادك.
نقول- ولله المثل الأعلى-: كالرجل الذي يحتاج مبلغًا كبيرًا لأحد الأبناء فيأخذ من الباقين ما معهم وما ادخروه من مصروفاتهم على وَعْد أنْ يُعوِّضهم بدلًا منها فيما بعد.
لذلك يقول بعدها: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } [الحديد: 11] فيعاملك ربك بالزيادة؛ لذلك يقول البعض: إن الله تعالى حرَّم علينا الربا وهو يعاملنا به، نعم يعاملك ربك بالربا ويقول لك: اترك لي أنا هذا التعامل؛ لأنني حين أزيدك لا أنقص الآخرين، ولا أُنقِص مما عندي، ولا أُرِهق ضعيفًا ولا محتاجًا ولا أستغلّ حاجته.
والصدقة في الإسلام تأمينٌ لصاحبها ضد الفقر إن احتاج، فأخوَفُ ما يخافه المرءُ الحاجة عند الكبَر، وعدم القدرة على الكَسْب، وعند الإعاقة عن العمل، يخاف أنْ ينفد ماله، ويحتاج إلى الناس حال كِبَره.
وعندها يقول له ربه: اطمئن، فكما أَعطيْتَ حال يُسْرك سيعطيك غيرُك حال عَوَزِك وحاجتك.
إذن: أخذ منك ليعطيك، وليُؤمِّن لك مستقبل حياتك الذي تخاف منه.
الصدقة في الإسلام صندوق لتكافل المجتمع، كصندوق التأمين في شركات التأمين، فإذا ما ضاقت بك أسباب الرزق وشكوْتَ الكِبَر والعجز نقول لك: لا تحزن فأنت في مجتمع مؤمن متكافل، وكما طلبنا منك أنْ تعطي وأنت واجد طلبنا من غيرك أنْ يعطيَك وأنت مُعْدم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
محل {ذلك} الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر ذلك، أو مبتدأ خبره محذوف، أو في محل نصب بفعل محذوف، أي افعلوا ذلك.
والمشار إليه هو ما سبق من أعمال الحجّ، وهذا وأمثاله يطلق للفصل بين الكلامين أو بين طرفي كلام واحد، والحرمات جمع حرمة.
قال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها.
والظاهر من الآية عموم كل حرمة في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصًا، وتعظيمها ترك ملابستها {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} أي فالتعظيم خير له {عِندَ رَبّهِ} يعني: في الآخرة من التهاون بشيء منها.
وقيل: إن صيغة التفضيل هنا لا يراد بها معناها الحقيقي، بل المراد: أن ذلك التعظيم خير ينتفع به، فهي عدة بخير {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام} وهي الإبل والبقر والغنم {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} أي في الكتاب العزيز من المحرّمات، وهي الميتة وما ذكر معها في سورة المائدة.
وقيل في قوله: {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1].
{فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} الرجس: القذر، والوثن: التمثال، وأصله من وثن الشيء، أي أقام في مقامه، وسمي الصليب وثنًا، لأنه ينصب ويركز في مقامه، فلا يبرح عنه.
والمراد: اجتناب عبادة الأوثان، وسماها رجسًا؛ لأنها سبب الرجس وهو العذاب.
وقيل: جعلها سبحانه رجسًا حكمًا، والرجس: النجس، وليست النجاسة وصفًا ذاتيًّا لها ولَكِنها وصف شرعي، فلا تزول إلا بالإيمان كما أنها لا تزول النجاسة الحسية إلا بالماء.
قال الزجاج: من هنا لتخليص جنس من أجناس، أي فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن {واجتنبوا قَوْلَ الزور} الذي هو الباطل، وسمي زورًا؛ لأنه مائل عن الحق، ومنه قوله تعالى: {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ} [الكهف: 17].
وقولهم: مدينة زوراء، أي مائلة، والمراد هنا قول الزور على العموم، وأعظمه الشرك بالله بأيّ لفظ كان.
وقال الزجاج المراد بقول الزور ها هنا: تحليلهم بعض الأنعام وتحريمهم بعضها، وقولهم: {هذا حلال وهذا حَرَامٌ} [النحل: 116].
وقيل: المراد به: شهادة الزور.
وانتصاب {حُنَفَاء} على الحال، أي مستقيمين على الحق، أو مائلين إلى الحق.
ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة، ويقع على الميل.
وقيل: معناه: حجاجًا، ولا وجه لهذا.
{غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} هو حال كالأوّل، أي غير مشركين به شيئًا من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم، وجملة: {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب.
ومعنى خرّ من السماء: سقط إلى الأرض، أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر {فَتَخْطَفُهُ الطير}، يقال: خطفه: إذا سلبه، ومنه قوله: {يَخْطَفُ أبصارهم} [البقرة 20]. أي تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها.
قرأ أبو جعفر ونافع بتشديد الطاء وفتح الخاء، وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر التاء مع كسرهما {أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح} أي تقذفه وترمي به {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي بعيد، يقال: سحق يسحق سحقًّا فهو سحيق: إذا بعد قال الزجاج: أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحقّ، كبعد ما خرّ من السماء، فتذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد.
{ذلك وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} الكلام في هذه الإشارة قد تقدّم قريبًا، والشعائر: جمع الشعيرة، وهي كل شيء فيه لله تعالى شعار، ومنه شعار القوم في الحرب، وهو علامتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدن، وهو الطعن في جانبها الأيمن، فشعائر الله: أعلام دينه، وتدخل الهدايا في الحجّ دخولًا أوّليًّا، والضمير في قوله: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف، أي فإن تعظيمها من تقوى القلوب أي: من أفعال القلوب التي هي من التقوى، فإن هذا التعظيم ناشيء من التقوى.